حقيقة الجهاد في سبيل الله

حقيقة الجهاد في سبيل الله
قال تعالى:{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ( المائدة: 35) 
ستحدث عن ثلاثة نقاط من خلال الآية الكريمة 
النقطة الأولى:(اتَّقُوا اللَّهَ) أي: اجعلوا بينكم وبين غضب الله تعالى وقاية، ولا شك أن النفس إذا امتلأت بالتقوى ذلك الامتلاء، جانبها الهوى والحقد والحسد، وحب الاستعلاء الباطل وصار صاحبها ممن ينطبق عليهم قول الله تعالى في أوصاف أهل الإيمان: { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص: 83).
النقطة الثانية:(وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ): وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة. قال قتادة: "أى تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه..
قال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) هذه هي النقطة الثالثة من الخط المستقيم، وهو الصراط القويم، وهو الجهاد في سبيل الله تعالى، وسبيل الله هو الطريق المستقيم الذي ينتهي إلى الغاية العليا من شرائع النبوة، وهو السبيل الذي يكون فيه صلاح الإنسان، ودفع الفساد في هذه الأرض، وإقامة مجتمع فاضل بين العالمين، يسعى في ظله التقي البر، ويستمتع فيه الفاجر من غير عدوان ولا فساد، والجهاد: معناه بذل أقصى الجهد في تحقيق تلك الغاية الإنسانية العليا، وهي الإصلاح في الأرض، ودفع الفساد عنها، وإقامة الحق، وخفض الباطل، وسيادة الفضيلة ودفع الرذيلة. والجهاد ذو شعب، الأولى جهاد النفس، ومغالبة الأهواء والشهوات، ومقاومة نزعات الشيطان، ومراقبة النفس. والشعبة الثانية من شعب الجهاد، العمل على تكوين رأي عام فاضل يحث على الخير، ويقاوم الشر، ويمنع الظلم، ويقيم العدل ويحمل الظالمين على الجادة المستقيمة، ويصح أن يسمى ذلك جهادا داخليًا؛ لأنه حماية للأمة من الآفات الاجتماعية، ووقاية لها من الشر الذي يقع فيها، فهو جهاد لحماية المجتمع من آحاده كما أن الشعبة الأولى حماية للفرد من آفات نفسه. مستشفى العقلاء
والشعبة الثالثة من شعب الجهاد: العمل على حماية المجتمع من الظلم الخارجي، ونشر لواء المحبة والمودة بين الشعوب، وجعل العدل يسود العلاقات الدولية، ومدافعة الظالمين، وذلك النوع من الجهاد ذو ثلاث شعب، أولاها - نصر الحق بين العالم بالدعوة إليه باللسان والقلم، ومقاومة الشر من أن يستشري بالدعاية للحق والعدل ودفع الظلم، والثانية - مد الضعفاء بأسباب الحياة ومعاونتهم، والثالثة - مقاومة الظلم بالحرب العادلة دفعا للظالمين، كما قال تعالى: (. . . وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذو فَضلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)( البقرة: 251 ).عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»( [1]).
الجهاد في سبيل الله ضمانٌ للمؤمن أن يظل المنهج الذي آمن به موصولاً إلى أن تقوم الساعة، وذلك لا يتأَتّى إلا بإشاعة المنهج في العالم كله.  إياكم أن تأخذوا منهج الله فقط الذي ينحصر في «افعل ولا تفعل» ولكن خذوا منهج الله بما يحمي منهج الله وهو التقدم العلمي باستخراج كنوز الأرض وتصنيعها كالحديد مثلاً، فسبحانه كما أنزل القرآن يحمل المنهج، فقد أنزل الحديد وعلى الإنسان مهمة استنباط الحديد والمواد الخام التي تُسَهّل لنا صناعة الأجهزة العلمية ونقيم المصانع التي تنتج لنا من الحديد فولاذاً، ونحوِّل الفولاذ إلى دروع، ونصنع أدق الأجهزة التي تُهِّيئ للمقاتل فُرصة النصر. وكذلك نَدّخر المواد الغذائية لتكفي في أيام الحرب. إذن حركة الحياة كلها جهاد، وإياك أن تقصر فكرة الجهاد عندك على ساحة المعركة، ولكن أعدّ نفسك للمعركة؛ أنك إن أعددت نفسك جيّداً وعلم خصمك أنك أعددت له، ربما امتنع عن أن يحاربك. والذي يمنع العالم الآن من معركة ساخنة تدمره هو الخوف من قِبَل الكتل المتوازنة لأن كل دولة تُعدّ نفسها للحرب. ولو أن قوة واحدة في الكون لهدمت الدنيا([2])
دروس في العمل الصالح - بتصريف – مستشفى العقلاء



[1] سنن أبي داود - كتاب الجهاد باب كراهية ترك الغزو  رقم / 2504 - حكم الألباني : صحيح
[2] تفسير الشيخ الشعراوي –رحمه الله. – مرجع سابق.

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال