(1)
أولادنا
ثمار قلوبنا، وفلذات أكبادنا، وامتداد لحياتنا بعد فنائنا.. ونحن إذ نتحدث عن دور
الأسرة فى تنشئة الأجيال.. فإننا نتحدث عن موضوع له خطره.. فالطفل الصغير أمانة
كبيرة بين يدى أبيه وأمه.. وعقله الصغير أرض بكر لم تُزرع، وورقة بيضاء لم يُخط
فيها حرف.
وإذا
كنا قد وضعنا وسائل الإعلام فى قفص الاتهام باعتبارها المخرب الأول
للأجيال، فإن دور الأسرة فى التربية، قد يكون بمثابة الطعم الواقى الذى
يجعل عقل الطفل مدرعًا ضد قاذفات الفساد والانحراف، وإلى هذا الدور الخطير
الذى تقوم به الأسرة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة
حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) "رواه أبو
يعلى والطبرانى والبيهقى".
وقبل
أن نسترسل فى الحديث، فإننا نلفت النظر إلى أننا لن نستطيع تغطية الموضوع من كل
جوانبه الدينية والنفسية والاجتماعية.. ولكننا سنتكلم عن
جوانب أساسية فى التربية يغفل عنها كثير من المسلمين.
(2)
فبعض
الناس يعتقد أن رسالته فى الحياة هى إنجاب الأولاد، ومنتهى فهمه فى تربيتهم
هو أن يوفر لهم الطعام والشراب، والملبس، والمسكن، وأحيانًا يرهق نفسه فى سبيل
تزويدهم بالكماليات والمرفهات.
وغاية
ما يصل إليه فى تربيتهم هو أن يجتهد فى تعليمهم حتى يحصلوا على درجات عالية تؤهلهم
لأن يأخذوا أوضاعهم المادية والأدبية فى المجتمع. وبذلك يكون قد بلّغ الرسالة،
وأدى الأمانة.. هذا مبلغ علم الكثير من المسلمين.
وهى-
لعمر الحق- أفكار ومعتقدات لا تنسجم مع مفهوم الإسلام فى التربية.. فمطالب
الطعام والشراب.. مطالب يشترك فيها الحيوان مع الإنسان، وفهم الأسرة لرسالة التربية
والتعليم بهذا الأسـلوب الشائع وسيلة من وسائل الدمار والخراب، فالإسـلام لا
يعامل الإنسـان ككتلة من لحم غايتها فى الحياة هى «العلف» أو التزود من
ماديات الحياة بقدر المستطاع، وإنما يعامله جسدًا وروحًا، فتربية الجسم
تسير جنبًا إلى جنب مع تربية الروح، إذا جار أحدهما على الآخر حدث الخلل
والاضطراب فى النفس البشرية.
(3)
ما
فائدة أن ألقن ابنى العلم، وأسعى فى الحصول له على مدرسين متخصصين ليكون من
المتقدمين فى نفس الوقت الذى هو فى الأخلاق صفر من كل فضيلة وأدب وتهذيب؟
إن
العلم فى هذه الحالة سيكون وسيلة تدمير وهدم وشقاء:
والعلم إن لم تكتنفه شمائل *** تعليه كان مطية الإخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده *** ما لم يتوج ربه بخلاق
ولقد
رأينا كثيرًا من الأبناء لا أقول تربوا، ولكن أقول درجوا على هذا الأسلوب، فصار
الواحد منهم بعدما شب عن الطوق، يصعر خده لوالديه، ويثنى عطفه عليهما، ويتنكر لهما
إذا كان من بسطاء الناس.
وشاهدت
بعينى رأسى شابًا «متعلمًا» - كان يترك والدته العجوز فى البيت.. بيتها الذى سكنه
هو وزوجته - يتركها ليأتى إليها المتطوعون من الناس يقومون لها ببعض شئونها حتى
ودعت الحياة ساخطة عليه وعلى زوجته.. ولقد شاهدته - بعدما أحاط به نكد الحياة -
يزور قبرها بعد موتها، فقلت فى نفسى:
لا ألفينك بعد الموت تندبني *** وفى حياتى ما زودتنى
زادي
أين
حدث هذا؟ إنه حدث فى عاصمة
الدنيا وقمة الحضارة.. فى «نيويورك»!!
د.
إيمان الشال