المسلمون فى الفلبين سنوات الكفاح من أجل الحرية

(*)
كثيرا منا عندما تذكر الأندلس، يتذكر محاكم التفتيش والاضطهاد والتنصير للمسلمين هناك، ولكن عندما تذكر الفلبين قليلا منا من يعرف ما حدث لها وللمسلمين هناك، فتقريبا نفس ما حدث في الاندلس حدث في الفلبين، في هذا الموضوع ستتعرف على أحداث عظيمة ربما لأول مرة تقرأ عنها فهي تحتاج منا إلى تأمل...
فكثير منا لا يعرف أي شئ عن أوضاع المسلمين فى الفلبين ولا عن جبهة تحرير «مورو الإسلامية» وجهادها المشرف ضد الحكومة والجيش الفلبينى وضد محاولات التنصير والتنكيل والاضطهاد للمسلمون هناك، ولعل بعضنا يسعد لسماع أنباء انتصاراتهم كما يحزن إذا أصابهم مكروه أو فقدوا موقعًا لكننا فى معظم الأحوال نفتقد معلومات كثيرة حول «الفلبين ذاتها» وعدد المسلمين فيها ونسبتهم إلى إجمالى عدد السكان وحقيقة أوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتاريخ جهادهم من أجل الحرية والاستقلال.
وهذا التقرير يلقى الضوء على الفلبين وموقعها على الخريطة العالمية وعدد سكانها ونسبة المسلمين فيها، وما يعانونه من مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية كما نعرض لصفحة الإسلام المشرقة فى البلاد ورحلة انتشار الإسلام هناك وعلى ذلك سوف نفصل الحديث عن الموضوع فى النقاط التالية:-
أولاً: الفلبين- معلومات أساسية.
ثانيًا: تاريخ انتشار الإسلام فى الفلبين.
ثالثًا: أوضاع المسلمين أثناء الاحتلال الأسبانى.
رابعًا: أوضاع المسلمين أثناء الاستعمار الأمريكى.
خامسًا: تطور حال المسلمين منذ الاستقلال.
سادسًا: الحركات التحررية:
1- المسار التفاوضى- الجبهة الوطنية لتحرير مورو 1964م.
2- المسار الجهادى- الجبهة الإسلامية لتحرير مورو 1977م.
سابعًا: طبيعة الوضع الراهن للقضية.
المسـلمـون فـى الفـلبـين 
سـنوات الكـفـاح مـن أجـل الحـريـة
(1)
أولاً: الفلبين- معلومات أساسية:
جمهورية الفلبين هى إحدى الجمهوريات الواقعة جغرافيًا فى قارة آسيا وعلى وجه الدقة فى أقصى شرق القارة وهى عبارة عن مجموعة هائلة من الجزر التى يبلغ عددها 7100 جزيرة تنتشر فى مياه المحيط الهادى ومن الغرب بحر الصين.
وتبلغ إجمالى مساحة اليابس من هذه الجزيرة 300 ألف كم2 أى أكثر قليلاً من ربع مليون كم2. يصل إجمالى عدد السكان حوالى 68.4 مليون نسمة وفقًا لآخر الإحصاءات، وترى بعض المصادر أن عددهم وصل بحلول عام 2000م إلى 75 مليون نسمة.
تصل نسبة المسلمين فيهم إلى 25% أى حوالى 8.7 مليون نسمة، ويتركز معظم المسلمين هناك فى جزر «مندناو» و «سولو» التى تصل نسبة المسلمين فيهما إلى نحو 85%.
يتكلم السكان 78 لغة مختلفة أهمها: التالوج، أما جزر مندناو وسولو فتكتب لغتها بحروف عربية وتأتى العربية عندهم فى المرتبة الثانية بعد الإنجليزية. العملة الرئيسية فى البلاد هى البيزو الفلبينى.
ومن المفارقات الاستعمارية هناك أن الفلبين قد اكتسبت اسمها الحالى من اسم الملك الأسبانى «فليب الثانى» الذى نجحت قواته فى غزو البلاد والسيطرة عليها، فى حين كان المسلمون يطلقون عليها اسم «عذراء ماليزيا» لأن أغلب سكانها من أصل ماليزى، كما أطلق الأسبان أيضًا لفظ «مورو» على مجموعة الجزر الجنوبية، إذ شبهوا سكانها المسلمين بالمسلمين فى المغرب والأندلس، و«مورو» اسم قبيلة مغربية يعود إليها اسم موريتانيا.
(2)
ثانيًا: تاريخ انتشار الإسلام فى الفلبين:
يعود تاريخ انتشار الإسلام فى الفلبين إلى أكثر من 600 عام ففى عام 1380م دخل الإسلام رسميًا إلى الفلبين على يد شيخ عربى يدعى كريم المخدوم وهناك مؤرخون يرون أن وجود الإسلام فى الفلبين أقدم من ذلك بكثير ويقدمون بعض الأدلة على ذلك...
وكان مخدوم عالمًا عربيًا قام بممارسة الطب إلى جانب إدخال الإسلام فى سولو ومندناو فقبله الشعب وحكامه بدون تردد كعقيدة وأسلوب حياة وقيل أنه زار كل جزيرة وجعل الكثير يتحولون إلى الإسلام فى كل مكان وتكاثر معتنقو الإسلام وانتشروا فى بعض أجزاء الأرخبيل ومات مخدوم فى جزيرة سيبوتو.
بعد دخول الإسلام فى سولو وزامبوانجا اعتنق الإسلام داتو ماجوينداناو وكان يُسمى وقتئذ كوتابوتو، وكان كابو نيجسوان ماجوينداناو راجا مشهورًا وإليه يعود كثير من الفضل فى إدخال الديانة وأسلوب الحياة الإسلامية ونظرًا لذلك فقد سميت المنطقة باسمه «مندناو».
ويرى مؤرخون آخرون أن البداية الحقيقية لانتشار الإسلام هناك كانت على يد الشريف محمد كابو نسوان فى نهاية القرن الخامس عشر 1475م.
وثمة دلائل على أن المستوطنات المتقدمة التى كانت موجودة على طول سواحل جزر الفلبين كان يحكمها زعماء مسلمون يسمون «الداتو» أو «الراجا» حتى قبيل قدوم الأسبان.
فمثلاً كان يحكم «مانيلا» الراجا سليمان والراجا هو مابون، وكان يحكم بانجاستينان أمراء أردوجا، وفى سيبو كان يحكم الداتوهومابون، وفى مكتان حكم الداتو لابو، وآخرون لم يأبه بهم المؤرخون القدامى من عملاء المستعمرين الأسبان.
(3)
ثالثًا: أوضاع المسلمين فى ظل الاستعمار الأسبانى:
منذ مطلع القرن السادس عشر نشطت حركة الكشوف الجغرافية الأوربية فى إفريقيا وآسيا والأمريكتين على يد عدد من المغامرين والجغرافيين وحاولت أوربا توسيع نفوذها وسيطرتها على العالم بعد أن دبت عوامل الضعف والهرم فى جسد الدولة الإسلامية.
ومع حركة المغامرين واكتشافاتهم تحركت الجيوش الأوربية لفرض سيطرتها على سكان البلاد واستنزاف ثرواتها ومقدراتها.
وكانت الفلبين إحدى الدول التى خضعت لهذه التجربة المريرة، إذ فى 16 مارس 1521م حطت الجيوش الأسبانية رحالها على شواطىء الجزر الفليبينية واستولت على العاصمة أمان الله «مانيلا» وكانت هذه بداية لاستعمار طويل استمر قرابة 375 سنة مارس خلالها الأسبان أبشع صنوف الظلم والاضطهاد والتنصير ضد سكان الجزر المسلمين لتحويلهم عن دينهم، وكانت لدى الأسبان خبرة حديثة فى تنصير مسلمى الأندلس التى سقطت آخر ممالكها الإسلامية فى وقت قريب من ذلك (1492م) فى غرناطة.
وهكذا بدأ تحول المسلمين إلى النصرانية تحت وطأة الاضطهاد الدينى الأسبانى وكان أول مسلم اعتنق المسيحية هى زوجة الراجا هومايون حاكم سيبو وبعد ذلك الراجا هومايون نفسه ثم صدرت له الأوامر كى يجبر شعبه على اعتناق الديانة الجديدة. 
ولا ينفى ذلك الجهاد العنيف الذى خاضه المسلمون فى البداية ضد حملات التنصير الأسبانية، إذ قام أحد المسلمين هو الداتو لابو - لابو زعيم ماكتان وأشعل الجهاد ضدهم وقتل فى المعركة المكتشف الشهير (فيرناندو ماجلان) المعروف بأنه أول مستعمر أسبانى جاء إلى الفلبين.
ابتدع الأسبان أساليب واستراتيجيات عديدة لتنصير المواطن الفلبينى بدءًا من ممارسة سياسة «فرق تسد» الاستعمارية البغيضة ضد السكان، واختراع روايات وقصص كاذبة حول المسلمين ودينهم، وأطلقوا عليهم اسم «المورو» الذى يصورهم كشعب أمى وثنى يجيد القتل وسفك الدماء، وألف الأسبان كتبًا فى الاجتماع والسياسة والتاريخ والأدب تشوه صورة المسلمين فى حين يضعون المسيحيين كمحور ارتكاز فى البلاد.
كما قاموا فى هذا الإطار بإنشاء المدارس التبشيرية وبناء الكنائس فى كل أنحاء الفليبين وفرضوا الأسماء المسيحية عليهم فى الوقت الذى كانت تنتشر بينهم الأسماء العربية.
وعلى الرغم من ذلك بقى مسلمون خلصاء يتمسكون بعقيدتهم ودينهم فى المناطق التى لم يصل إليها نفوذ الأسبان فى الجزر الجنوبية فى مندنا ووسولو وبالاوان، وهكذا بقى الإسلام نقيًا وبخاصة بعد أن سعى هؤلاء لترسيخ إنتمائهم للدين الإسلامى بتحفيظ أولادهم القرآن الكريم وتنشئتهم تنشئة إسلامية خالصة.
(4)
رابعًا: أوضاع المسلمين فى ظل الاستعمار الأمريكى:
مع مطلع القرن التاسع عشر تراجعت موجة الاستعمار التقليدى وتقلصت قوة الدول الاستعمارية القديمة (إنجلترا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال)، فى حين عرف العالم قوة اقتصادية وعسكرية بازغة نجحت فى بناء ذاتها اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا وهى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان على دول الاستعمار القديم أن تنسحب وتفسح المجال للقوة الاستعمارية الجديدة لتملأ فراغها وبالفعل قام الأمريكيون باحتلال الجزر الفلبينية بعد أن دمر الأمريكان الأسطول الأسبانى واضطر الأسبان إلى بيع الفلبين عام 1900م بمائتى مليون دولار وهو مبلغ كبير بحساب ذلك الوقت.
وكان الأسبان قد فشلوا فشلاً ذريعًا فى إخضاع مندناو وسولو وعندما استولى الأمريكيون على البلاد دعوا بعض زعماء المسلمين للمشاركة فى الحكومة الوطنية وكان من بينهم الحاج بوتو، ولم يكن منتخبًا، بل كان معينًا كعضو فى مجلس الشيوخ ولا يمكن إعفاؤه من المشاركة فى إخراج المسلمين عن دينهم التى مارسها الأمريكان والمسيحيون والتى اعتبروه بسببها أحد كبار مؤيدى الحركة الماسونية الحرة فى الفلبين قبل وفاته.
منح المسلمون - فى ظل الاستعمار الأمريكى - فرصة لممارسة شعائر ديانتهم الخاصة ولكن اعتبروا مادة لبحوث علمية واجتماعية وعوملوا كمواطنين من الدرجة الثالثة يسبقهم الأمريكيون كما عين موظفون أمريكيون بروتستانت فى كافة الوظائف فى مختلف أرجاء الفلبينيين بما فى ذلك بعض أجزاء من مندناو.
ومع مرور الوقت فرض الأمريكيون القوانين السيئة التى تحقق مصالحهم بغض النظر عن ديانات السكان أو تقاليدهم فانتشرت العادات والتقاليد الأمريكية فى البلاد كما حلت اللغة الإنجليزية (اللكنة الأمريكية) محل اللغات الإقليمية التى كان يستخدمها السكان الأصليون.
وعلى الرغم من ذلك بقى المسلمون فى الجنوب محتفظين بقدر كبير من الاستقلال الثقافى بعيدًا عن مؤثرات المدنية الأمريكية الزاحفة، كما واصلوا مقاومتهم لمخططات التنصير البروتستانتى الأمريكى بعد أن قاوموا لقرون طويلة مخططات التنصير الكاثوليكى التى وضعها الأسبان وحاولوا تنفيذها على مدار 375 عامًا، وقد استدعت هذه المقاومة البطولية اعتراف الولايات المتحدة باستقلالهم الحضارى وتمايزهم الثقافى فقام الأمريكيون بإبرام معاهدة مع المسلمين سكان الجزر الجنوبية تنص على حق هؤلاء فى الحكم الذاتى وإدارة شئونهم الداخلية بعيدًا عن الحكومة المركزية فى مانيلا، وهى المحاولات التى عدت انتصارًا لحقوقهم وتتويجا لـ38 سنة من الكفاح المتواصل ضد الاستعمار الأمريكى.
وفى عام 1943م- وأثناء احتدام الصراع فى الحرب العالمية الثانية - قام اليابانيون باحتلال الجزر الجنوبية (المسلمة) فى الفلبين وانتزاعها من أيدى الأمريكيين، وتعرض المسلمون - فى ظل الحكم اليابانى الدموى الذى لم يدم طويلاً - لحملات جديدة من الإبادة.
وعندما وضعت الحرب العالمية أوزارها سارعت كل الدول لنيل حريتها واستقلالها فى ظل نظام عالمى جديد أخذ يتشكل، ونالت الفلبين استقلالها فى 4 يوليو 1946م ورحلت القوات الأجنبية إلا أن الأمريكيين احتفظوا بقاعدة عسكرية ضخمة هناك لا تزال موجودة إلى الآن.
(5)
خامسًا: تطور أحوال المسلمين منذ الاستقلال:
لم يصبح المسلمون أسعد حالاً، فمنذ إعلان الاستقلال واعتراف الأمم المتحدة صارت هناك حكومة رسمية وشرعية من وجهة نظر العالم، مؤيدة من القوى الكبرى خاصة من الولايات المتحدة فى كل ما تقوم به ضد المسلمين نيابة عن الاستعمار القديم وأصبحت تلك الحكومة المصنوعة على أيدى الاستعمار وعلى عينه هى الدولة وهى النظام الشرعى، وصار المسلمون أصحاب الأرض والدولة مجموعة من المتمردين أو الانفصاليين الخارجين على النظام والقانون، وتم حصرهم فى المناطق الجنوبية بعد أن صاروا أقلية، وبرغم ذلك كله لم تتوقف الحكومات الفلبينية المتعاقبة منذ عام 1946م حتى اليوم عن تنفيذ مخططها فى القضاء على الوجود الإسلامى، فعملت على خلخلة التركيبة السكانية بزرع كيانات نصرانية جديدة والدفع بقوافل متعاقبة من النصارى وتمليكهم الأرض وتمكينهم من بسط نفوذهم وسيطرتهم عليها حتى أصبح وجودهم فى بعض المناطق يصل إلى 50% من تعداد السكان، وبدأ الوجود الإسلامى فى الجنوب فى الانحسار.
وفى عام 1962م- وكرد فعل على مخططات التنصير وتشويه الهوية الإسلامية تبلورت فصائل الجهاد الإسلامى فى الفلبين- فى «جبهة تحرير مورو» التى شكلها مجموعة من الطلبة الدارسين فى الجامعات والمعاهد الإسلامية بالخارج وظهرت هذه الجبهة للعمل العلنى عام 1968م بقيادة اثنين من الشباب المسلمين المخلصين هما نورميسوارى وسلامات هاشم وخاضت حربًا طويلة أجبرت النظام الفلبينى على الجلوس إلى مائدة المفاوضات قبل أكثر من عشرين عامًا، وما تزال متواصلة حتى اليوم، وقد تخلل هذه المسيرة ثلاث اتفاقيات للسلام، لكن شيئًا منها لم ينفذ على أرض الواقع. 
(6)
سادسًا: الحركات التحررية:
وسوف نميز فى السطور التالية بين مسارين للقضية: أولهما هو المسار الذى اختطه سلامات هاشم زعيم جبهة تحرير مورو الإسلامية التى تؤمن بحتمية الجهاد والكفاح المسلح لتحرير أراضى مورو، ونهج «الجبهة الوطنية لتحرير مورو» بزعامة "نور ميسوارى" والتى انتحت جانب المفاوضات مع الحكومة الفلبينية وذلك باعتبار أنهما وجهان يكمل أحدهما الآخر:
1- الجبهة الوطنية لتحرير مورو:
تأسست جبهة تحرير مورو كرد فعل طبيعى على استمرار سياسات الفصل بين السكان واضطهاد المسلمين وتهجير السكان المسيحيين من الشمال وتوطينهم فى أراضى المسلمين فى الجنوب، ومن هنا نشأت الجبهة كحركة تحرير وطنى بزعامة نور ميسوارى الذى كان يحتفظ بعلاقات قوية مع عدد من قادة ومسئولى الدول العربية الإسلامية، وهو نفسه السبب الذى يبرر دعم ماليزيا وليبيا غير المحدود لها.
ويعد تاريخ الجبهة بحق تاريخًا للمفاوضات مع الحكومة الفلبينية إذ فى عام 1976م توصل الجانبان - المسلم بقيادة مسوارى والفلبين فى عهد الرئيس الأسبق فرديناند ماركوس إلى اتفاقية للحكم الذاتى تقضى بإقامة حكم ذاتى للمسلمين فى 13 محافظة و 9 مدن بجنوب الفلبين وتم توقيع هذه الاتفاقية فى العاصمة الليبية طرابلس بتدبير من منظمة المؤتمر الإسلامى وبضغوط عدد من الدول النفطية فى الخليج، إلا أن الحكومة الفلبينية سارعت إلى تجميد الاتفاق وقامت بنفى نور مسوارى خارج البلاد حيث عاش كلاجىء بين دول الشرق الأوسط.
وفى أعقاب الثورة على نظام ماركوس وتولى السيدة كورازون أكينو سدة الحكم (1968-1992) دعت من جديد نورمسوارى للعودة إلى البلاد وبدأت المفاوضات بين الطرفين مرة أخرى لإحياء وتنفيذ اتفاق طرابلس، لكن الحكومات ماطلت وعرضت اتفاقًا بديلاً ينص على منح الحكم الذاتى للمسلمين يضم 4 محافظات بدلاً من 13 وهذا العرض لم يقبله نورميسوارى.
استمر الأخذ والرد بين الطرفين حتى جاءت حكومة الرئيس فيدل راموس عام 1992م وهو صاحب تاريخ طويل فى اضطهاد المسلمين، فهو مهندس المذابح، وهو رئيس الأركان ووزير الدفاع فى عهد كورازون أكينو لكنه عندما تولى الرئاسة سعى إلى تهدئة الأوضاع فى البلاد بفتح صفحة جديدة مع المسلمين فأعلن عن العفو العام وإجراء انتخابات فى منطقة الحكم الذاتى للمسلمين، والسماح للمجاهدين بدخول المدن التى تقع تحت سيطرة الجيش، وساعدت هذه التصريحات الإيجابية على عقد جولة جديدة من المفاوضات بين الطرفين فى أوائل عام 1994م. 
وأسفرت المفاوضات عن توقيع اتفاق جديد ينص على وقف العمليات الحربية، وتشكيل «مجلس جنوب الفلبين للأمن والتنمية»، لكن شيئًا عمليًا لم يتحقق على أرض الواقع وفى يونيو عام 1996م عقدت جولة جديدة من المفاوضات بين الطرفين فى مدينة «دافا» الفلبينية ذات الأغلبية المسيحية وأسفرت عن توقيع اتفاق جديد يسلم بفكرة إنشاء كيان إدارى لحكم جنوب الفلبين (الذى أقر فى اتفاق عام 1994) وأن يعهد لجبهة تحرير مورو إدارتها لمدة 3 سنوات كفترة انتقالية ثم يعقب ذلك إجراء استفتاء حول الحكم الذاتى، وتم الاتفاق أيضًا على إنشاء قوة شرطة محلية من المسلمين فى هذه المناطق، وانضمام المسلمين إلى الجيش الفلبينى إلا أن هذه النقطة وقع الخلاف بخصوصها حول العدد الذى يمكن السماح له بالانضمام إلى الخدمة فى الجيش واشترطت الحكومة انضمام 5 آلاف جندى فقط (وهو عدد ضئيل جدًا) كما يجب أن يكون سنه ما بين (21-31) سنة وأن يكون حاصلاً على مؤهل عال وهى شروط تستبعد أكثر من 99% من مقاتلى الجبهة الوطنية.
2- جبهة تحرير مورو الإسلامية:
كانت جبهة تحرير مورو الإسلامية فى الأصل جزءًا من «الجبهة الوطنية لتحرير مورو» التى يتزعمها زعماؤها أيضًا ومنذ الاستقلال عمل الجميع صفًا واحدًا إلا أنه فى عام 1977م وبعد التوقيع على اتفاق طرابلس الذى وقعته الجبهة مع الحكومة ارتأى تيار فى الجبهة بزعامة سلامات هاشم أن الجبهة ممثلة فى قيادتها «نور ميسوارى» أصبحت تركز كثيرًا على «مفاوضات السلام» وأهملت إلى حد كبير العمل المسلح، ومن هنا آثر هذا التيار الذى يتزعمه سلامات هاشم الانفصال وخرج بتنظيم جديد يُسمى «منظمة بانجسامورو للتحرير» والذى تحول اسمه فيما بعد إلى «جبهة تحرير مورو الإسلامية» مؤكدًا على نهج الجهاد كسبيل وحيد لتحقيق الاستقلال، وكان لدى سلامات هاشم مبررات قوية فى الانفصال عن ميسوارى بعد أن اكتشف مبكرًا خداع وممالأة السلطات الفلبينية واعتزامها إدخال القضية فى دوامة المفاوضات والاتفاقيات التى لا جدوى منها.
وقد راهنت الحكومة الفلبينية على وقوع الخلاف بين الرجلين «هاشم وميسوارى» إلا أن ذلك لم يحدث، بل يمكن القول أن القضية استفادت كثيرًا من ذلك وأصبحت «جبهة مورو الإسلامية» بمثابة الجناح المسلح فى حين تمثل «الجبهة الوطنية» الجهاز السياسى وبتعبير آخر يد تفاوض ويد تحمل السلاح واستمرت الجبهتان فى العمل لخدمة قضية المسلمين فى الفلبين.
ويضيف بعض المحللين سببًا آخر لقيام «جبهة تحرير مورو الإسلامية» وهو قيام الديكتاتور الفلبينى الأسبق فرديناند ماركوس بإنشاء منظمة «إيلاجا» الإرهابية التى قامت بأنشطتها ضد المسلمين فى اتجاهين: أولهما: قتل الدعاة والنشطاء المسلمين، وثانيهما: القيام بأنشطة للتنصير بين المسلمين.
وقد انطلق نشاط هذه المنظمة بالتوازى والتعاون مع منظمات تنصيرية وغربية «أوربية وأمريكية» قامت بنشاط واسع تحت حماية السلطات واتسع نشاطها فى جنوب شرق آسيا كلها (أندونيسيا- ماليزيا- تايلاند- سنغافورة) تحت رعاية الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمى.
وزعيم هذه الجبهة سلامات هاشم من مواليد 7 يوليو 1942م فى بلدية بجالونجان فى مندناو، تربى منذ صغره تربية دينية حج إلى مكة المكرمة عام 1958م ولم يبلغ بعد سن السادسة عشرة من عمره، وارتحل بعدها إلى القاهرة حيث التحق بالثانوية الأزهرية ثم بكلية أصول الدين- قسم العقيدة والفلسفة - وتخرج فيها عام 1967م وحصل على الماجستير عام 1969م.
كانت له أثناء إقامته بالقاهرة عدة نشاطات اجتماعية حيث كان رئيسًا لجمعية الطلبة الفلبينيين، ثم سكرتيرًا لمجلس التضامن لجمعيات طلبة جنوب شرق آسيا كما كان يداوم على حضور محاضرات ودروس كبار الدعاة فى مصر. 
وعلى مدار أكثر من 24 عامًا منذ قيام الجبهة حتى الآن نجح المسلمون فى تأكيد هويتهم الإسلامية الخاصة، ونجح التنظيم فى حشد وتعبئة جموع المسلمين فى الجنوب، وكذلك حظى التنظيم بثقة واحترام القيادات السياسية والشعبية المسيحية فى الفلبين بعد الانتصارات العديدة التى حققتها الجبهة، بل إن التنظيم أصبح يلقى احترام المسيحيين من أبناء الجنوب، بل إنهم آمنوا بقضية شعب مورو وأصبحوا يدعمونهم ماديًا ومعنويًا وكذلك نجح التنظيم فى تحرير مساحات واسعة من الأرض التى كانت بحوزة الفلبين، وأخيرًا استطاع المسلمون أن يقيموا حكم الله وأن يطبقوا الشريعة الإسلامية فصاروا يعدمون القاتل ويجلدون الزانى وشارب الخمر.
ولدى الجبهة الآن أكثر من 100 ألف مقاتل، كما تتلقى دعمًا ماليًا من عدد من الدول الإسلامية، ولديهم قاعدة عسكرية قوية هى قاعدة «أبى بكر الصديق» التى يستخدمونها كمركز للدعوة الإسلامية وتقديم المساعدات والمؤن.
(7)
سابعًا: طبيعة الوضع الراهن للقضية
كان من المفترض بعد مرور ثلاث سنوات على الاتفاق الأخير أن يجرى ترتيب استفتاء حول الحكم الذاتى للمسلمين فى الجنوب بحلول عام 1999، إلا أن الحكومة الفلبينية ماطلت بحجة الخلاف حول من يحق لهم المشاركة فى الاستفتاء إذ تحدد الحكومة عددًا قليلاً من الجزر فى حين يرى قياديو الجبهة أنهم أكبر من ذلك، وعلى الرغم من التأخير فى تنفيذ هذا الاستفتاء لا تزال حالة من الهدنة سارية بين الطرفين إلى حين الاتفاق على من يحق لهم المشاركة فى الاستفتاء وبصفة عامة شهدت هذه القضية هدوءًا نسبيًا خلال الشهور الأخيرة على جبهات القتال باستثناء بعض الأعمال التى قامت بها جماعة أبو سياف و«جبهة تحرير مورو الإسلامية». 
وتحظى فصائل المقاومة هناك الآن بدعم أقوى وأكبر من ذى قبل كما يملك معظمها بنية عسكرية قوية بفضل الدعم الذى تقدمه الدول الإسلامية لهم وبخاصة ماليزيا وليبيا وعدد من دول الخليج العربى (وهى الأمور التى حسنت وضعهم النسبى أمام الحكومة وزودت أوراقهم التفاوضية).
وتحتفظ جبهة تحرير مورو الإسلامية بزعامة سلامات هاشم بصفة عضو مراقب دائم فى منظمة المؤتمر الإسلامى منذ عام 1974 وهو وضع جيد يتيح لها طرح قضيتها على الساحة الدولية وتلقى الدعم من الدول الإسلامية.

د. رضا أحمد الطبيب – 

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال