(1)
مكانة الإنسان في الإسلام
الإنسان هو المخلوق الذي تحـدث عنه الخالق
جل علاه أنه قد خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه، فاستحق بهذه النفخة العلوية، وذلك السر
الإلهي أن يكون أكرم مخلوق، وأن يأمر الله تعالى ملائكته المطهرين أن يسجدوا له: {فَإِذَا
سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (سورة الحجر: 29) وكرمه الله الإنسان بالاستعداد الفطري الذي استأهل به الخلافة في الأرض:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ
مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)
(سورة الإسراء:
70). وسخر كل ما في الكون
من أرضه وسمائه لخدمته والانتفاع به : (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
(سورة الجاثية:
13)
(2)
حفظ
النفس من مقاصد التشريع الإسلامي
يقصد بحفظ النفس عصمة الذات الإنسانية
من عناصرها المادية والمعنوية، وذلك بإقامة أصلها الذي تعد المحور الذي تدور عليه عمارة
الأرض، ويتحقق به معني الاستخلاف فيها قال تعالى: "أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ
وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" (هود:
من الآية61) كما يتمثل
حفظ النفس في بعدها المادي والجسدي، والمعنوي والروحي، وفي بعدها الكلي والجزئي . ذلك
لأن [حفظ المهج والأطراف لإقامة مصالح الدارين أولي من تعريضها للفوات في عبادة أو
عبادات تفوت أمثالها.
حفظ للنفس من جانبين:
الطريق الأول: حفظها من جانب الوجود: ويتم هذا بتحقيق ما يضمن بقاءها واستمرارها، وبيان
المصالح والمضار في تحصيل مطالبها، وبيان حالات الضيق والسعة، والانتقال من العسر إلي
اليسر بمقتضى ما وضع الشارع له من مبادئ وقواعد تحكم المحافظة عليها.
الطريق الثاني: إحياء النفس جسدياً ، قال تعالي:
"وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" (المائدة: من الآية32) بمعني أن من تسبب في إحيائها عند إشرافها
علي الهلاك، فكأنما أنقذ الناس جميعاً من الهلاك، وهذا علي الحقيقة تسبب في استمرار
الحياة . (مستشفى العقلاء)
(3)
حق
الحياة
من الأصول الأساسية التي يتبناها الإسلام
ويضع لها من القواعد والتشريعات ما يحفظها ويحوطها بالعناية والرعاية هذا الحق.. فالحياة
منحة ربانية أعطيت لنا لنستمتع بها ونعمل على حفظها وصيانتها إلى أن يأتي الأجل المحتوم
الذي لا يعلمه إلا من خلق الموت والحياة.
وإذا كان الخلق لم يكن عبثًا، ولم تكن
الحياة سدى، فليس للإنسان أن ينتحر ويقتل نفسه، أو يوردها موارد الهلكة، وإلا استحق
اللعنة والغضب من الله تعالى ومن المجتمع، فليست حياته ملكًا له يتصرف فيها كيف يشاء
.. يقول الله تبارك وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنكُمْ وَلا تَقْتُلُوا
أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً...) (سورة النساء: 29).
وليس لأحد مهما كانت مكانته وسلطانه أن
يغصب الإنسان حق الحياة، ومن فعل ذلك بغير حق فقد آذن الناس جميعًا بالحرب، وآذن معهم
رب الخلق الذي جعل لنفسه وحده صفة الإحياء والإماتة.. والإنسانية كلها متضامنة في كفّ
اليد التي تبسط لقتل أي إنسان، فإن كل بني آدم إخوة .. حق كل واحد منهم في أن يعيش
هو حق الآخـر، فإذا قصرت الإنسانية في ذلك.. دخلت كلها في إثم إقرار الجريمة وعدم استنكارها:
(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً
بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً
وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا
بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)
(سورة المائدة:
32).
ثم إن الإسلام لم يشرع حد القصاص في القتلى
إلا حفاظًا على هذا الحق المقدس: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي
الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " ( البقرة: 179)
(4)
حرمة
الدماء والأموال والأعراض
ولقد بلغ الإسلام مبلغ التغليظ والتأكيد لدرجة جعلت
رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يتحيّن فرصة الاجتماع الضخم في يوم الحج الأكبر وفي
وصايا الوداع ليعبر عنها أمام الملأ بأسلوب فريد في تنبيه الأذهان، وتذكير العقول،
وتوعية النفوس.. قال لهم صلي الله عليه وسلم: «أَتَدْرُونَ أَىُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ »
. قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ
بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: « أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ ؟ » . قُلْنَا : بَلَى . قَالَ
: « أَىُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ » . قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى
ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. فَقَالَ : « أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ
؟ » . قُلْنَا : بَلَى . قَالَ : « أَىُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ » قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُـولُهُ
أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . قَالَ
: « أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ ؟ » . قُلْنَا : بَلَى . قَالَ : « فَإِنَّ
دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى
شَهْرِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ . أَلاَ
هَلْ بَلَّغْتُ » . قَـالُوا : نَعَمْ . قَـالَ : « اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ
الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلاَ تَرْجِعُوا
بَعْدِى كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ » (أخرجه
البحاري) . (مستشفى العقلاء)
وإضافة إلى ما سبق من نصوص تؤكد حق الحياة
نجد الإسلام يحذر من الاعتداء على هذه الحرمة في عديد من النصوص التي تحمل معنى التغليظ،
: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (سورة النساء:93) . ووقف الرسـول - صلي الله عليه وسلم-
أمام الكعـبة العظيمة وقال: « مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ
حُرْمَتَكِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُـرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَـمُ
عِـنْدَ اللَّهِ حُـرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِـهِ وَأَنْ نَظُـنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْراً» (سورة النساء: 93).
وإذا كانت هذه النصوص تؤكد هذه الحرمة
بالنسبة للمسلم، فإن رسول الله - صلي الله عليه وسلم- يؤكدها كذلك بالنسبة لغير المسلم
المسالم .. قـال صلي الله عليه وسلم: « مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ
الْجَنَّةِ » (أخرجه البخاري)، وقال صلي الله عليه وسلم:« مَن قَتَلَ قَتِيلاً مِنْ
أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ » (أخرجه النسائي).
(5)
وسائل
الوقاية
1- ضرورة
بث الأمل في النفوس: قال
تعالى: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا
مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ" (
الزمر: 53)
قال تعالى: ".. وَلَا تَيْأَسُوا
مِن رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"
( يوسف: 87) وفي الحديث: ( .. واعلم أن النصر مع
الصبر، والفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً، وأن مع العسر يسراً) (رواه الطبري)
2- الإيمان
حصن الأمان: قال تعالى:" الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ
بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } ( الأنعام: 82)، ولذلك لابد من الدعوة إلى المحاضن الإيمانية
وفي مقدمتها حلقات الذكر والتلاوة في المساجد، ودروس العلم، والحرص على صلاة الجماعة،
والإكثار من النوافل، والدعاء، وكل الوسائل التي من شأنها رفع معدل الإيمان في النفس،
وهذا الجهد مطلوب من الجميع على مستوى الأفراد
والمؤسسات. (مستشفى العقلاء)
3- الرضا
بالقضاء والقدر: عَن
صُهَيْب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجَبًا
لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا
لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ
ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) (رواه مسلم)
4-
الخوف من عذاب الله: عَنْ
أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي
بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ
بِسَمٍّ، فَسَمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جِهنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا
فِيهَا أَبْدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَرَدَّى
فِي نَارِ جَهَنَّمَ مُخَلَّدًا فِيهَا أَبْدًا ) (متفق عليه)
عن جندب رضي الله عنه - في هذا المسجد فما نسينا
وما نخاف أن يكذب جندب على النبي صلى الله عليه وسلم - قال: " كان برجل جراح،
فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة " (أخرجه مسلم) (برجل) من الأمم السابقة. (بدرني) استعجل الموت
ولم يصبر حتى أقبض روحه من غير سبب منه] (مستشفى العقلاء)
5- ضرورة
تفعيل مبدأ التكافل المادي والمعنوي لرفع المعاناة عن المحتاجين:
ومن النماذج التطبيقية في هذا الميدان
الجمعية الشرعية بمشروعاتها الطبية والتنموية والاجتماعية، فنتواصى بالإسهام في مشروعاتها
والمشاركة بالنفس والمال. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ
اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ
يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ
سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ
مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيه ) (رواه مسلم وأبو داود)
6- إصلاح
ذات البين: (
على مستوى الأسرة، والمجتمع ) عن أبى الدرداء عن النبي - صلى الله عليه و سلم- قال:
ألا أنبئكم بدرجة أفضل من الصلاة والصيام والصدقة قالوا بلى قال صلاح ذات البين وفساد
ذات البين هي الحالقة ) (الأدب المفرد قال الشيخ الألباني صحيح)
7- العمل والإنتاج ورفع مستوى الدخل: فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قد استعاذ من الفقر،
والفقر قرين الكفر عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قال لأبيه: يا أبت اني أسمعك تدعو
كل غداة اللهم عافني في بدني اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصري لا اله الا أنت
تعيدها ثلاثا حين تمسي وحين تصبح ثلاثا وتقول اللهم اني أعوذ بك من الكفر والفقر اللهم
إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت تعيدها ثلاثا حين تمسي وحين تصبح ثلاثا فقال
نعم يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بهن وأنا أحب أن أستن بسنته قال،
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو ولا تكلني إلى
نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله ألا أنت) (الأدب المفرد قال الشيخ الألباني حسن)اللجنة العلمية - مستشفى العقلاء
قد يعجبك:
2- لماذاانتحروا