صلوا
الأرحام تدخلوا الجنة بسلام
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (
النساء: 1)
المعنى الإجمالي: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى أوجدكم من نفس واحدة
، وأنشأ من هذه النفس زوجها ، وخلق منهما رجالاً كثيراً ونساء ، فأنتم جميعاً تنتهون
إلى تلك النفس الواحدة ، واتقوا الله الذى تستعينون به في كل ما تحتاجون، ويسأل باسمه
بعضكم بعضاً فيما تتبادلون من أمور، واتقوا الأرحام فلا تقطعوها قريبها وبعيدها ، إن
الله دائم الرقابة على أنفسكم ، لا تخفى عليه خافية من أموركم ، ومجازيكم عليها"
([1])
كيف
استقبل الصحابة – رضي الله عنهم – هذه الآية؟!
عن أبي جحيفة قال سمعت
الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ فَجَاءَ قَوْمٌ عُرَاةً حُفَاةً
مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَغَيَّرَ
وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ
الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ
فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} وقال سبحانه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ
مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ وَلَوْ بِشِقِّ
تَمْرَةٍ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا
بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ
وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ
مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ
فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا
مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا) ([2])
من نصوص السنة المباركة في صلة الرحم
صلة الرحم تورث الجنة : عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ
وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصِلَ الرَّحِمَ )([3])
الصدقة على ذي الرحم: عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ
وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ )([4])
صلة الرحم تبارك الأعمار،
وتنمي الأرزاق، وتدفع ميتة السوء
عن علي – رضي الله عنه - أن
النبي – صلى الله عليه وسلم
- قال: من سره أن يمد الله في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه
ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه )([5]).
صلة الرحم تبارك الأولاد والذرية: عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه-
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ
فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ )([6])
من يصل أقاربه ويقطعونه: (عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ
وَيَقْطَعُونَ وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ
عَلَيَّ قَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلا
يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ)([7]).
ليس الواصل بالمكافئ: الحديث
" لَيْسَ الْوَاصِل بِالْمُكَافِئِ
وَلَكِنَّهُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمه وَصَلَهَا" ([8]) يعني:
ليس حقيقة الواصل من يكافئ صاحبه بمثل فعله إذ ذاك نوع معاوضة، قال عمر بن الخطاب -
رضي الله عنه: "ليس الوصل أن تصل من وصلك ذلك القصاص ولكن الوصل أن تصل من
قطعك، وهذا حقيقة الوصل الذي وعد الله عباده عليه جزيل الأجر، قال تعالى: {وَالَّذِينَ
يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (الرعد: 21) ([9]).
من نصوص الوحي في إثم وشؤم قطيعة الرحم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا
فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: مَهْ،
فَقَالَتْ: هَذَا مَكَانُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ
أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَاكَ
لَكِ "، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا
فِي الْأَرْضِ، وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ،
فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى
قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد: 23)([10])
قطيعة الرحم عقوبتها عاجلة في الدنيا مع عقوبة
الآخرة: أخرج الترمذي عن أبي بكرة – رضي الله عنه - قال:
قال رسول الله- صلى الله عليه
وسلم: ( ما من ذنب أجدر (أي
أحق) أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر في الآخرة، من البغي وقطيعة
الرحم )([11])
.
من هداية
الآية الكريمة
1- أهمية الأمر بتقوى
الله تعالى اذ كررت في آية واحدة مرتين في أولها وفي آخرها . وفي الحديث
الصحيح: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"([12])
2- وجوب صلة الأرحام.
ومن بركاتها، البركة في الرزق والعمر والذرية والفوز بالجنة، ومن وصلها وصله الله.
3- قطيعة الرحم من
الكبائر، ومن مضارها: قطع الصلة بالله، وضيق في الرزق، وقلة البركة في
العمر، وقطع الأواصر الاجتماعية، ودخول النار.
4- مراعاة الأخوة البشرية
بين الناس واعتبارها في المعاملات.
5- وصية هامة: ضرورة تربية الأولاد على صلة
الأرحام بالزيارات وغيرها.
دروس في العمل الصالح
- بتصريف –
[9] عمدة القاري شرح صحيح
البخاري- أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر
الدين العينى (المتوفى: 855هـ)- ج3 – ص : 233 – رقم / 3014 - دار إحياء التراث
العربي – بيروت.