العمل الصالح وفروض الكفاية

العمل الصالح هو كل عمل يقصد به فاعله وجه الله تعالي ويكون العمل موافقًا للكتاب والسنة سواء كان عملاً تعبديًا محضًا كالصلاة والصيام، أو عملاً له مردود واضح على الخلق يعود بالنفع على الناس في الدنيا أو الآخرة أو في كليهما معًا.
العقيدة الصحيحة أصل العمل والسلوك
العقيدة الصحيحة هي أصل دين الإسلام،  وأساس الملة،  وقد ثبت من واقع الكتاب والسنة أن جميع الأعمال والأقوال لا تصح ولا تقبل إلا إذا كانت صادرة عن عقيدة صحيحة ،  فإذا كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال.
قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ( الكهف : 110 ).
وقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة: 5)
وقال تعالى: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الزمر: 65)
الله لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصًا صوابًا
قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (الملك: 2)، يقول الفضيل بن عياض: (العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه)، وفي الصحيح: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ)([1])
الإيمان الصادق والعمل الصالح قرناء
العمل الصالح هو الثمرة والشعاع والضياء، وهو الميزان والبرهان لمصداقية الإيمان، ولذلك جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة التي تربط بين الإيمان والعمل الصالح بصيغ متنوعة منها: {وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر: 1 : 3) وعَنْ أَبي هُريرَةَ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤذِ جَارَهُ، (وفي طريق: فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ).([2])
فروض الكفاية
هي أمل الأمة في الارتقاء إلى مصاف الدول القوية ومراتب الأمم العظيمة، هي أمل الأمة في القضاء على الفقر والجهل والمرض كليًا من الجذور، هي الأمل في أمة لا يجوع فيها فقير.. ولا يضيع فيها يتيم.. ولا يحتاج فيها مسكين. فروض الكفاية هي المسئولية الشرعية التضامنية بين جميع الأغنياء والقادرين في الأمة عنها وعن أبنائها من الفقراء والمساكين وغير القادرين.
فإذا أصيب مسلم بكرب أو احتاج شيئًا من الضرورات وعلم به الناس.. وجب شرعًا أن يخرج من بين الأغنياء والقادرين من يرفع عنه ذلك الكرب أو يقضي له تلك الحاجة. ومن علم بالواجب المطلوب، وكانت عنده القدرة على القيام بهذا الواجب تقدمت مسئوليته على المكلفين الآخرين في المكان نفسه.. والعالم بالواجب تبرأ ذمته إذا لم يملك القدرة على القيام به.. على أن يبذل الجهد في إبلاغ القادرين وحضهم على القيام بهذا الواجب الشرعي.. ومن يفعل ذلك نيابة عن الأمة ورفعًا للإثم عن الآخرين فإنه يفوز بمثل ثواب الأمة.. وتبرأ ذمة الأمة كلها.. فإذا لم يتقدم أحد فإن كل من علم به وكان يقدر عليه يأثم.. ولو امتنعت الأمة كلها أثمت كلها.
عن أَبَي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى) ومعنى الحديث: يا ابن آدم إنك إن تنفق ما يزيد عن حاجتك تنل الثواب عليه.. وإن تمنعه عن المحتاج يقع الإثم عليك.. وإنك لا تأثم إذا كنت لا تملك إلا ما هو ضروري لك. وأنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)([3])
أولوية الأعمال الصالحة التي ينتفع بها عموم الناس
أعطى الشرع أولوية خاصة لكل الأعمال التي يقوم بها الإنسان ويتعدى نفعها إلى الآخرين، ومن ذلك قوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} ( النساء: 114)، وعن أبي هريرة قال: قال النبي - عليه الصلاة والسلام:
(الساعي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ، الصَّائِمِ النَّهَارَ)([4]) والمؤمن الصادق منهجه وهو يقدم الخير للناس يقوم على القاعدة القرآنية: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا. إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} (الإنسان: 9، 10).
تفاوت الأعمال الصالحات في مراتبها وأجورها
فأعظمها ما أوجبه الله تعالى من الفرائض، ثم تتفاوت الأعمال بعد ذلك حسب الحاجة والمنفعة، ومن أدلة ذلك ما رواه أبو هُريرةَ – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ اللهَ قال: مَنْ عادَى لي وليًّا فقدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تقرِّبَ إليَّ عَبْدي بِشيءٍ أحبَّ إليَّ مِمَّا افْترضتُ عليْه، وما يزالُ عَبْدي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحبَّه، فَإذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذي يبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا، ورِجْلَهُ التي يَمْشي بِهَا، وإنْ سَأَلَني لأعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتعَاذَنِي لأعيذَنَّهُ، ومَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أنَا فَاعِلُهُ؛ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المؤْمِنِ، يَكْرَهُ الموْتَ، وأنَا أكْرَهُ مَسَاءتَهُ)([5])، وكذلك عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون - أو بضع وستون - شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»([6])، وفي العمل الدعوي هناك الحسن والأحسن، والصواب والأصوب، فيحسن بالداعية أن يقدم واجب الوقت على غيره، والنفع العام على النفع الخاص، والخير المتعدي على الخير الفردي، وهكذا..
إقامات المشروعات
فإقامة المشروعات المختلفة وخاصة الطبية منها والتنموية التي من شأنها أن ترفع الكروب الثقيلة عن كاهل أصحابها من أبناء الأمة الإسلامية، وتقضي الحاجات الضرورية للمحتاجين والفقراء.. مما يتيح الفرصة للجميع بالمشاركة ليقوم بفروض الكفاية بما ييسر الله تعالى له من جهد بدني أو مالي فهذا عمل عظيم يحتاج إلى انتشاره وفق المعايير التى تحقق ناجحه.
فمثل هذا الأمور تعين المسلم على تقديم الخير للناس ابتغاء مرضاة الله ليفوز بالفلاح الذي أعده الله لمن يقوم بالخير أو يدعوا إليه، قال تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ( الحج: 77)، وقال تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104)
اللهم ارزقنا القول الصالح، والعمل الصالح، واجعلنا من عبادك الصالحين.
دروس في العمل الصالح - بتصريف –



([1]) البخاري 4/298 في البيوع: باب النجش ،وفي الصلح 5/221: باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود.
(2) البخاري – ج 8 -كتاب الأدب - باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره– ص : 11 – رقم 6018
(3) الطبراني في معجمه الكبير ج 1/  ص 259 حديث رقم: 751
(4) البخاري في صحيحه ج 5/  ص 2047 حديث رقم: 5038
(5) أخرجه البخاري - ج – 8  - باب التواضع- ص 105.
(6) أخرجه مسلم - كتاب الإيمان  - باب شعب الإيمان - 58 - (35)

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال