الشيشان.. انتصار أم انكسار
يجهل
تاريخ الشيشان الكثير من الناس إلا من تعلموا من التاريخ وصنعوه لنا ونكرره كما هو
دون تغيير وكأننا لا نقرأ ولا نكتب ولا نفهم، لو نظرنا إليه لعرفنا أن التاريخ يعيد
نفسه، فما كان في الشيشان بالأمس أصبح عندنا اليوم، فراجعوا التاريخ فإنه يعيد
نفسه. أهم نقطة أن تقرأ موقف الدول الإسلامية - ذات الجيوش والعروش في تلك الفترة.
(1)
(مرحباً
بكم في الجحيم) تلك هي العبارة التي تلخص مأساة المدنيين في الشيشان.. وقد كتبتها
القوات الروسية على جدران المنازل في العاصمة المهجورة "جروزني" كنوع من
التشفي!
فالمدنيون
في الشيشان منهم من وقع في الأسر، ووضع في معسكرات الاعتقال للتعذيب، أو الموت،
حيث يتعرض- الرجال والنساء معاً- للاغتصاب العلني، ثم القتل الجماعي تحت عجلات
المركبات الثقيلة، وبعضهم فر من تلك المعسكرات بعد أن كسرت عظامه، أو انتزعت
أسنانه وأظافره!!
أما
الغالبية العظمى من المدنيين فقد حملتهم الغارات المتوالية إلى الهرب إلى أنجوشيا
المجاورة.. حيث وصل عددهم إلى أكثر من مائتي ألف شيشاني.. مما ألقى بعبء ضغط على
السكان المحليين في أنجوشيا الذين لا يزيد عددهم عن ثلاثمائة ألف نسمة.
ولا
يزال آخرون محاصرين داخل الشيشان.. خاصة في مضيعة [نهر أرجون] الجنوبي بعد
أن رفضت القوات الروسية فتح ممرات آمنة تسمح لهم بالعبور.
والأوضاع
داخل مخيمات اللاجئين متردية للغاية.. حيث يعانون من النقص في الطعام، والماء
النظيف، والتدفئة؛ ولذا فإن بعضهم يضطر للعودة إلى المناطق التي لا يزال القتال
مستعراً فيها، فيهرب من الرمضاء للنار! ومع ذلك كله فإن روسيا لا تسمح للمنظمات
المعنية بحقوق الإنسان أن تعمل بحرية، وتكاد تمنع وصول أية مساعدات مباشرة
للمحتاجين داخل الشيشان.
وعقب
دمار العاصمة جروزني وقعت عمليات سلب ونهب للمنازل على نطاق واسع، ثم إحراق الكثير
منها لمنع اللاجئين من العودة إليها.
وعلى
خلاف تلك الصورة للمدنيين نجد الوضع عند المجاهدين مطمئناً إلى حد كبير..
فالمجاهدون- إلى هذه اللحظة- خسائرهم في الأرواح لا تكاد تقارن بخسائر الروس
الكبيرة المستمرة مما دفع بوتين إلى طلب التفاوض مع الرئيس الشيشاني مرات عديدة..
لكن مسخادوف يرفض- بعزة- إلا إذا اشتركت خمس دول إسلامية في المفاوضات لضمان
جديتها، وتنفيذ اتفاقاتها!
(2)
موقف
الصمت الواضح:
العجيب
في مأساة الشيشان تلك موقف دول العالم من العدوان الروسي الوقح.. فالغرب - بمؤسساته ومنظماته
راض تماماً عما يحدث في الشيشان؛ لأن روسيا رفعت في وجودهم ورقة الضغط الرابحة
التي تستطيع أن تسكت الجميع وهي (مقاومة الإرهاب).. فعلى الرغم من انتهاكات
حقوق الإنسان الرهيبة الواضحة إلا أن رد الفعل من قبل المجلس الأوروبي لحقوق
الإنسان جاء باهتاً حين أعطى روسيا ثلاثة أشهر لانتهاء الأزمة.. وإلا فقد يتخذ
قراراً بتعليق عضوية روسيا في ذلك المجلس.. ولكن الشهور الثلاثة مرت، ولم تلتزم
روسيا بالنصيحة ولم يحدث شيء!! بل أن بوتين رفض مقابلة (ماري روبنسون) رئيس
هيئة المفوضين العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة لإدراكه أن الغرب غير مهتم
بالموضوع إلا بالشكل الصوري المطلوب لإرضاء الدول الإسلامية!
غير
أن أعجب المواقف حقيقة ليس موقف الغرب.. وإنما موقف الدول الإسلامية
-
ذات الجيوش والعروش- الذي يعد مخزياً وفاضحاً للآمال بشكل كامل.. إذ إنها لم تصنع
شيئاً ذا بال، فيكفي أن نعلم أن كثيراً من الدول الإسلامية لم تستنكر قتل
المدنيين، والغارات الرهيبة المستمرة منذ ثمانية أشهر بحجة عدم التدخل في الشئون
الداخلية لروسيا.
ليس
غريباً أن يصمت الغرب على هذه المذابح للمسلمين؛ لأن الكفر ملة واحدة؛ ولأن الله
عز وجل علمنا أن نتوقع ذلك بقوله: (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ
يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً
أَبَداً) (الكهف:20) إنما الغريب في الأمر أن يستقبل وزير الخارجية الروسي استقبال
الفاتحين وأن تعرب الدول الإسلامية عن تهنئتها الرسمية لفوز بوتين بالرئاسة في
روسيا، وكأن بوتين لم يصنع شيئاً يستحق مجرد لفت نظره بكلمة!! وها هو (جينادي
سيليزينو) رئيس البرلمان الروسي (الدوما) يقوم بزيارة لإحدى الدول
العربية وكان قد أدلى بحديث صحفي لبعض الصحف العربية زعم فيه أن روسيا لا تحارب
الإسلام في الشيشان، ولا تحارب الشعب الشيشاني.. وإنما تحارب الإرهاب!! ولكن الذي
لم يقله رئيس البرلمان الروسي ولم يقله أحد ممن تحاور معه أن جرائم روسيا في
الشيشان فاقت ما اقترفه المغول والصليبيون في فلسطين والقدس.. فكيف لا يكون تشريد
مئات الآلاف من المسلمين حرباً للشعب في الشيشان؟ كيف ساغ لكم بعد ذلك الحديث عن
العلاقات الودية والطيبة مع العالمين: العربي والإسلامي؟ إن ما تفعلونه هو
إعلان وفاة الدولة الإسلامية.. ولكن إلى حين!
(3)
الأمل
قائم والنصر قادم:
ومع
ذلك فإن الحرب في الشيشان - على صعيد العمليات العسكرية - تذكرنا بما حدث ليلة الحادي والثلاثين من
ديسمبر عام 1994م حينما استطاع المجاهدون - ومعهم البطل باساييف – أيضاً - أن يصدوا الهجوم الروسي على جروزني، وكان
أفضح هزيمة لمجرمي الروس.. حتى إن الصحفي الفرنسي (بيتر شوفان) ذكر أن
الروس خسروا في تلك الليلة ألفي قتيل، وعد بنفسه مائة مدرعة مدمرة، ثم علق قائلاً:
(إن عدد الدبابات المدمرة في تلك الليلة في جروزني كان أكثر من عدد الدبابات التي
دمرت في معركة برلين التي أنهت الحرب العالمية الثانية).
وها
هم أولاء المجاهدون يعيدون تلك الملحمة، وها هي تلك الفئة القليلة المؤمنة تنتصر
في معركة الصمود والكرامة، وتضرب أروع الأمثلة في التاريخ للبطولة والفداء.
أجل..
إنها تنتصر.. ليس فقط لأن خسائر الروس في الأرواح صارت- باعترافهم- بالآلاف.. ولكن
لأن المجاهدين يحققون مع الله عز وجل المعادلة الرابحة (النصر والسيادة أو الموت
والشهادة) وبإذن الله لن يهنأ الروس بالبقاء في الشيشان طويلاً.. فكما خرجوا يجرون
أذيال الخيبة والعار في حربهم الأولى، فسيخرجون كذلك في حربهم الثانية.
وبقى
فقط أن نحاول نحن إنقاذ أنفسنا- لا إنقاذ الشيشان- قبل أن نخرج من التاريخ الذي
دخله الشيشانيون من أوسع أبوبه!
د. منير أحمد –