كيف نحتفي بشهر رمضان؟

منذ أن فرض الله الصوم فى السنة الثانية من الهجرة على كل من شهد هلال رمضان بوصفه الميقات الزمانى لنزول الوحى الخالد على النبى الخاتم هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وكان ذلك تكريمًا وإشادة وتنبيهًا على فضل هذا الشهر المبارك الذى خصه الله بليلة هى خير من ألف شهر، وفى كل ليلة منه عتق من النيران، وتنزلات للرحمات والبركات على من شغل نفسه فيه بصلاة القيام وتلاوة القرآن والحفاظ على آداب الصيام... ومع انبلاج فجر رمضان يبدأ المسلمون فى شتى بقاع الأرض احتفاءهم، ومن مظاهر هذا الاحتفاء الصيام والقيام وإطعام الطعام والتزاور وصلة الأرحام والتهجد بالليل والناس نيام، والكرم والسخاء فى تفريج الكربات، وشغل الأوقات المباركات بالذكر والدعاء وتلاوة الآيات، والبعد عن المهاترات والمجادلات وهجر الفحش فى الأقوال والأعمال.

رمضان زاد للمعاد.. وتواصل بين العباد

منذ فرض الصيام في هذا الشهر والأمة المسلمة تحيطه بما يجب له من التقدير والتعظيم، وتترقب وصوله بالبهجة والانشراح والترحيب؛ إذ كان إحياء لإشراقات النفس التى أظلمت باستغراقها فى متع الحياة ومشاغلها طوال العام، كان فرصة لتحصيل زاد ينفع المرء يوم المعاد، كان أملا فى تكفير الذنوب والآثام وإرضاء الملك العلام، كان تواصلا بين العائلات والأرحام، كان مودة بين الأغنياء والفقراء، كان فرحة غامرة للكبار والصغار.
 وفى هذا الجو الروحانى تتلاشى الخلافات وتنمو العلاقات والمودات، وفى وقت الإفطار تدلف خيرات الله إلى بيوت الفقراء رغبة فى ثواب إفطار الصائمين.. وتسعد الأسماع بآية أو حديث أو حكم شرعى.

رمضان شهر التربية والتغيير

 قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِن دُونِهِ مِن وَالٍ) (الرعد:11). ما زال رمضان شهراً للتربية ومدرسة للتغيير والمحاسبة وتذوقًا للفرحة الحقيقية حين يوفق الصائم إلى الصبر عن المطعم والمشرب إلى غروب الشمس وتذوقها مرة أخرى حين ينتهى رمضان وقد منّ الله عليه بإكمال العدة وإتمام النعمة، واستبشارا بالفرحة الكبرى حين يلقى مولاه "للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه". فأين نحن الآن من رمضان الذى كان؟

رمضان شهر القرآن

حتى يعود هذا الزمن تجب العودة إلى تحكيم كتاب الله فى كل مجالات الحياة، ففيه العز والسعادة والجاه، وهو الحق المبين، والصراط المستقيم، وحبل الله المتين، من حكم به عدل، ومن قال به صدق ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم، أحكامه منيرة هادية مُصلحة صالحة لكل بيئة وعصر، لا تنتمى إلى عقول البشر، ولا تتأثر بتقلبات الفكر، صادرة عمن خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وما تنطوى عليه غرائزه، وما تشرئب إليه آماله، فيحققها له بتناغم مع الفطرة، وتوازن مع الواقع.. اليسر منهجها والعدل هدفها، والتقوى ميزان أعمالها، حكم فنهضت به البشرية من كبوتها، وتحررت من قيود حركتها، ونعمت بالأمن والاستقرار والتراحم والإيثار... هل يمكن فى رمضان وهو شهر القرآن أن نعكف على تدبر ما فيه وتفعيل أوامره ونواهيه حتى لا نكون مثل من قال الله فيهم: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ( الجمعة:5)؟!!.

بديننا .. نتبوأ مكانتنا

إن الحفاظ على المبادئ والقيم والثوابت والأحكام القاطعة التى وردت فى ديننا  يضمن لنا وحدة الصف والكلمة، ووحدة الفكر والهدف، ويقف بنا صامدين أمام تيارات التغريب والهيمنة لنحقق مجتمع الوئام والتنمية، والاكتفاء والانتماء، والعزة والاستقلال. إننا لن نفقد الأمل في تبوؤ مصر مكان الريادة للعالم الإسلامي بتطبيق شرع الله كما أراده الله دينا وسطيا متوازنا يغذى متطلبات الروح والمادة معا.
فتضرب مصر بذلك مثلا حقيقيًا لهذا الدين؛ فهى الأحق بذلك بأزهرها الشامخ وعلمائها الأجلاء ومفكريها النبلاء.

دور الدعاة.. وكلنا دعاة

الداعية الحكيم (وكل مسلم فاهم وواعى داعية يبلغ ما يستطيع من الإسلام) يمكنه أن يجعل من الأحداث والمناسبات والذكريات مجالا لبث الروح الإيمانية والتذكير بالقيم الإسلامية والسنن الإلهية،  فقد أمر الله نبيه موسى عليه السلام بقوله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} (إبراهيم: 5 )،  ولفت القرآن الكريم أنظار المؤمنين إلى جريان سنن الله في الكون دون تخلف فقال: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (الفتح: 23)،  وفي المناسبات الدينية تكون النفوس مهيأة لتلقي العبرة والعظة واستيعاب الدرس المستفاد من المناسبة.. فاستشعروا المسئولية عن دعوتكم (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزخرف: 44).
نضرع إلى الله أن يرد الأمة إلى دينها رداً جميلاً حتى تنال النصر الذى تذوقته فى رمضان بدءًا من غزوة بدر وانتهاء بالعاشر من رمضان ومروراً بالفتح وعين جالوت وحطين.. إنه ولى ذلك والقادر عليه.

د.محمد المختار

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال