التهويل: يعني تضخيم الأمور الصغيرة. والتهوين: يعني تصغير الأمور الكبيرة.
فعندما تستمع لشخص قد تقول: لقد هول الأمور أو قد بالغ في الأمر. وقد تقول لقد تهاون في الأمر ولم يضعه في مكانه فهناك فرق بين التهوين والتهويل فنحن لا نريد تهوين ولا تهويل ولكن نريد أن نضع الأمور في مكانها.
فالتهويل في تصوير الواقع، والإخبار عن الأحوال والأحداث المتعلقة بالأمة تحتاج منا إلى حرص فتكبرها أحيانا مئات المرات، وتصغرها أحيانا أخرى مئات المرات، دون وعى كفى وإلمام بأبسط الأمور والقضايا خطر على الأمة، وتبرز مظاهر هذا التهويل في أمور منها:
1 - التهويل في وصف حال المسلمين ومدى ضعفهم، فيصل إلى حكم قاطع بأن الأمة لا شفاء لها من أمراضها، ولا يقظة لها من رقدتها، أو يحكم على المجتمعات عامة بالكفر أو الضلال ومحاربة الإسلام، وليستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا «إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم» .
2 - التهويل في وصف حال غير المسلمين، وتصوير تلك المجتمعات بأنها تخلو من أي خير، وأنها مجتمعات غاب، وأنها في غضون بضعة سنوات ستسقط وتدمر، والعدل يقتضي أن يذكر مفاسد هذه المجتمعات، وما آلت إليه دون أن يتجاوز الحقيقة في ذلك.
قال الله تعالى: {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]
3 - التهويل في جعل بعض الأمور عليها مدار عزة الأمة، وتركها هو السبب في ذل الأمة، ولا يعني هذا إهمال هذه الأمور، وعدم الاهتمام بها، لكن يجب أن نضع الأشياء حيث وضعها الشرع، ونحكم عليها بحكمه، فللإسلام أركان، وهناك واجبات، وسنن، وآداب، ومروءات، فالجهاد ليس كقص الشارب، مع أن الكل من الدين.
لكن بعض الخطباء يجعل موضوع خطبته سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكون موضوع خطبته حول خلق من الأخلاق الإسلامية، فيسوق كل ما يستطيع من الأدلة، والقصص والأشعار وغير ذلك، ثم يربطه ربطا غير موزون بحال الأمة، وأسباب هزائمها، وتأخرها عن ركب الأمم مما يرسخ في ذهن السامعين أن أسباب ذلك كله تنحصر في هذا الأمر بعينه، بل ربما قال ذلك صراحة.
4 - التهويل في الربط بين الأحداث، بحيث يجعل كل مؤتمر وراءه مؤامرة، وكل خبر وراءه مكيدة، وكل جديد قصد به المكر والإفساد، وهكذا يتم الربط عشوائيا، ودون مستند بين الأحداث صغيرها وكبيرها.
نعم لا ينكر أن يكون المسلمون دائمي الحذر واليقظة، وأن لا يحسنوا الظن بعدوهم، وأن يكونوا على قدر كبير من الوعي بالعالم من حولهم، والنظرة الثاقبة للأساليب الخفية التي تحاك لتدمير الأخلاق، وشيوع الفساد، لكن تهويل الأمور والوسوسة بكل شيء حوله ليس من الوعي في شيء، ولا من اليقظة في شيء.
5 - التهويل في الحكم على الأشخاص كالحكم على ظالم معين بأنه من أهل النار، أو أنه ملعون، أو أكفر من فرعون وهامان، أو الحكم لشخص معين بأنه شهيد قطعا، أو أنه يتقلب في الجنة، ونحو ذلك من الأحكام القاطعة التي تتنافى مع عقيدة المسلم وثوابته، وتتعارض مع منهج الإسلام الذي يوجب العدل في الرضا والغضب، والقصد في الحب والبغض، وأن لا يجزم لأحد بجنة أو نار إلا من ثبت فيه نص.
عن علي رضي الله عنه أنه قال: هل تدري ما قال الأول؟ أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما.
وعن عمر رضي الله عنه قال: لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا، فقلت: كيف ذاك؟ قال: إذا أحببت كلفت كلف الصبي، وإذا أبغضت أحببت لصاحبك التلف.
6- ومن هذا التهويل المبادرة إلى التكفير، والتفسيق، والتسرع في التبديع والتأثيم، والقول: والله لا يغفر الله لفلان، وفلان لا يشم رائحة الجنة، ونحو ذلك من الألفاظ والأحكام التي فيها تأل على الله تعالى، وقول عليه بغير علم، ومنه كذلك اعتماد أسلوب التهييج، والتحميس الزائد عن الحد لقضية لا تستحق مثل هذا.
خطبة الجمعة ودورها في تربية الأمة
شكرا لك
ردحذفموضوع رائع ونحتاج ان نستوعبه ونطبقه
ردحذف