قصة الحية التى تبيض كل يوم بيضة من ذهب

(1)
زعموا أنه كان في دار رجل من الناس حية ساكنة في جحر قد عرفوا مكانها، وكانت تلك الحية تبيض كل يوم بيضة من ذهب وزنها مثقال، فصاحب المنزل مغتبط مسرور بمكان تلك الحية، يأخذ كل يوم من جحرها بيضة من ذهب، وقد تقدم إلى أهله أن يكتموا أمرها، فكانت كذلك لأشهر، ثم إن الحية خرجت من جحرها فأتت عنزا لأهل الدار حلوبا ينتفعون بها فنهشتها فهلكت العنز. فجزع لذلك الرجل وأهله، وقالوا: الذي نصيب من الحية أكثر من ثمن العنز، والله يخلف ذلك منها.
فلما أن كان عند رأس الحول عدت على حمار له كان يركبه فنهشته فقتلته، فجزع لذلك الرجل، وقال: أرى هذه الحية لا تزال تدخل علينا آفة، وسنصبر لهذه الآفات ما لم تعد البهائم. ثم مر بهم عامان لا تؤذيهم فهم مسرورون بجوارها، مغتبطون بمكانها، إذ عدت على عبد كان للرجل لم يكن له خادم غيره فنهشته وهو نائم، فاستغاث العبد بمولاه فلم يغن عنه شيئا حتى تفسخ لحمه، فجزع الرجل وقال: أرى سم هذه الحية قاتلا لمن لسعته، ما آمن أن تلسع بعض أهلي. فمكث مهموما، حزينا خائفا أياما، ثم قال: إنما كان سم هذه الحية في مالي، وأنا أصيب منها أفضل مما رزئت به،
(2)
فتعزى بذلك على خوف ووجل من شر جوارها، ثم لم يلبث إلا أياما حتى نهشت ابن الرجل، فارتاع والده لذلك، ودعا بالخواء والترياق وغيره فلم يغن عنه شيئا، وهلك الغلام، فاشتد جزع والديه عليه، ودخل عليهما ما أنساهما كل لذة أصاباها من الحية، فقالا: لا خير لنا في جوار هذه الحية، وإن الرأي لفي قتلها والاعتزال عنها، فلما سمعت الحية ذلك تغيبت عنهم أياما لا يرونها ولا يصيبون من بيضها شيئا، فلما طال ذلك عليهما تاقت أنفسهما إلى ما كانا يصيبان منها، وأقبلا على جحرها بالبخور، وجعلا يقولان: ارجعي إلى ما كنت عليه ولا تضرينا ولا نضرك، فلما سمعت الحية ذلك من مقالتهما رجعت، فتجدد لهما سرور على غصتهما بولدهما، وكانت كذلك عامين لا ينكرون منها شيئا، ثم دبت الحية إلى امرأة الرجل وهي نائمة معه فنهشتها، فصاحت المرأة فثار زوجها يعالجها بالترياق وغيره من العلاج فلم يغن شيئا، وهلكت المرأة، فبقي الرجل فريدا، وحيدا، كئيبا، مستوحشا، وأظهر أمر الحية لإخوانه وأهل وده، فأشاروا عليه بقتلها، وقالوا: لقد فرطت في أمرها حين تبين لك غدرها وسوء جوارها، ولقد كنت في ذلك مخاطرا بنفسك، فولى الرجل وقد أزمع على قتلها، لا يرى غير ذلك، 
(3)
فبينما هو يرصدها إذ طلع في جحرها فوجد فيها درة صافية وزنها مثقال، فلزمه الطمع، وأتاه الشيطان فغره، حتى عاد له سرور هو أشد من سروره الأول، فقال: لقد غير الدهر طبيعة هذه الحية، ولا أحسب سمها إلا قد تغير كما تغير بيضها، فجعل الرجل يتعاهد جحرها بالكنس، والبخور، ورش الماء، والريحان، وكرمت عليه الحية، والتذ الرجل بذلك الدر التذاذا شديدا، وأعجبه،
ونسي ما كان من أمر الحية فيما مضى، وعمد إلى ما كان عنده من الذهب فعمل به حقا، فجعل ذلك الدر فيه، وجعل موضع ذلك الحق تحت رأسه، فبينما هو نائم إذ دبت الحية فنهشته، فجعل يغوث بصوت عال، فأقبل إليه جيرانه، وأقاربه، وأهل وده، فأقبلوا عليه باللوم له فيما فرط من قتل الحية، فأخرج إليهم الحق فأراهم ما فيه، واعتذر مما عجزوا فيه رأيه، فقالوا: ما أقل غناء هذا عنك اليوم، إذ صار لغيرك، وهلك الرجل، فقال إخوانه الذين أشاروا عليه بقتل الحية: أبعده الله، هو قتل نفسه، وقد أشرنا عليه بقتل الحية. ولقد عجبت لأهل العقول يعرفون الأمر الذي ضربت هذه الأمثال له ولا ينتفعون بالمعرفة، كأنهم يرجون الثواب على المعرفة بالقول والمخالفة بالعمل.

الوجل والتوثق بالعمل- 

شاركنا رأيك وكن جزءًا من مجتمعنا!

أحدث أقدم

نموذج الاتصال