
فرد عليه زعيم القوم محمد بن إبراهيم بن حيويه وكان جلداً صارماً فقال للمتكلم: مم نتوب يا شيخ السوء؟ نحن براء من
متابك! ثم أقبل على الوزير فقال: يا وزير
بئس المبلغ أنت! وكل ما نسبته إلينا عن أمير المؤمنين
فهو صفتكم معاشر خدمته، فأنتم الذين تأكلون أموال اليتامى بالباطل وتستحلون ظلمهم بالإخافة،
وتنتجون معايشكم بالرشا والمصانعة، وتبغون في الأرض بغير الحق، وأما نحن فليست هذه
صفاتنا ولا كرامة، ولا يقولها لنا إلا متهم بالديانة، فنحن أعلام الهدى وسرج الظلمة،
بنا يتحصن الإسلام ويفرق بين الحلال والحرام وتنفذ الأحكام، وبنا تقام الفرائض وتثبت
الحقوق وتحقن الدماء وتستحل الفروج، فهلا إذ عتب علينا أمير المؤمنين بشيء لا ذنب فيه لنا، وقال بالغيظ ما قاله، تأنيت
بإبلاغنا رسالته بأهون من إفحاشك، وعرضت لنا بإنكاره، ففهمناه منك وأجبناك عنه بما
يصلح الجواب له، وكنت تزين على السلطان ولا تفشي سره، ولا تحيينا بما استقبلتنا به،
فنحن نعلم أن أمير المؤمنين لا يتمادى على هذا الرأي فينا، ولا يعتقد هذا المعتقد في
صفاتنا، وإنه سيراجع بصيرته في إيثارنا وتعزيزنا، ولو كان عنده على هذه الحالة التي
وصفتها عنا، والعياذ بالله تعالى من ذلك، لبطل عليه كل ما صنعه وعقده من أول خلافته
إلى هذا الوقت، فلا يثبت له كتاب من حرب ولا سلم ولا شراء ولا بيع، ولا صدقة ولا حبس
ولا هبة ولا عتق، ولا غير ذلك إلا بشهادتنا، هذا ما عندنا والسلام.
ثم قاموا منصرفين فلم يكادوا يبلغوا باب القصر إلا والرسل تناديهم، فدخلوا
القصر فتلقاهم الوزراء بالإعظام ورفعوا منازلهم واعتذروا إليهم مما كان من صاحبهم،
وقالوا لهم: إن أمير المؤمنين يعتذر إليكم
من فرط موجدته، ويستجير بالله من الشيطان الرجيم ونزعته التي حملته على الجفاء عليكم،
ويعلمكم أنه نادم على ما كان منه إليكم، وهو مستبصر في تعظيمكم وقضاء حقوقكم، وقد أمر
لكل واحد منكم بما ترون من صلته وكسوته علامة لرضاه عنكم، فدعوا له وقبضوا ما أمر لهم
به وانصرفوا غالبين لم يمسسهم سوء.